انهيار النظام الهرموني: ضعف فيتامين د
ساندي بو يزبك

أخصائية تغذية

Thursday, 27-Nov-2025 06:44

لم يَعُد فيتامين د مجرّد عنصر غذائي يُدرج ضمن قائمة الفيتامينات الأساسية. فالعلم الحديث يضعه في موقع أكثر عمقاً: هرمون فعلي يبدأ تنشيطه بالضوء، ويعتمد استمراره وفعاليّته على التغذية الدقيقة ووظائف الأعضاء، وينتهي في قلب الخلية، حيث يضبط التعبير الجيني ومسارات النمو والمناعة والإلتهاب.

تبدأ رحلته عند التعرّض لأشعة UVB، التي تحوّل مركّباً في الجلد إلى بريفتيامين D3. بعدها يأتي دور الكبد لتحويله إلى D25(OH)، ثم تُنهي الكلى هذه السلسلة بإنتاج الشكل الهرموني النشط D3(OH) 1,25. هذا الجزيّء الأخير لا يعمل كعنصر غذائي فحسب، بل كرسول هرموني يتفاعل مع مستقبلات موجودة في الدماغ والدرقية والبنكرياس والخلايا المناعية والعضلات والعظام، فيُنظّم وظائف تتجاوز بكثير صحة العظام.

 

دور التغذية في هذه المنظومة؟

على رغم من أنّ الشمس هي نقطة البداية، إلّا أنّ التغذية هي العنصر الذي يُحدِّد قدرة الجسم على إنتاج الشكل النشط من فيتامين د والاستفادة منه. فالكبد يحتاج إلى بروتين كافٍ وأحماض أمينية أساسية، ليقوم بتحويل فيتامين د إلى شكله المتداول في الدم.

 

والكلى تحتاج إلى معادن دقيقة مثل المغنيسيوم، حتى تنتج الشكل الهرموني الفعّال. حتى الامتصاص نفسه يعتمد على دهون غذائية جيدة، لأنّ فيتامين د من الفيتامينات الذائبة في الدهون.

 

نقص المغنيسيوم، وهو شائع في الأنظمة الغذائية الحديثة، يحدّ من قدرة الجسم على تفعيل فيتامين د مهما كانت جرعات المُكمِّلات. ونجد هذا النقص مع غياب أطعمة مثل الخضروات الورقية الداكنة والبذور والمكسرات.

 

ونقص الدهون الصحية، خصوصاً الأحماض الدهنية الأحادية والمتعدِّدة غير المشبّعة، يُقلِّل من الامتصاص، مثل زيت الزيتون والأفوكادو والأسماك الدهنية. أمّا اضطرابات الجهاز الهضمي مثل الدهن على الكبد أو ضعف امتصاص الدهون، فتخلق فجوة بين ما يستهلكه الفرد وما يستطيع جسمه استغلاله فعلياً.

 

ثم تأتي معادلة الكالسيوم والفوسفور، إذ يتوسط فيتامين د الامتصاص والتوازن بينهما. أي خلل غذائي في هذَين المعدنَين يُربك الدور الهرموني لفيتامين د، حتى لو كانت مستوياته طبيعية. وهذا ما يجعل التغذية الوقائية من مصادر الكالسيوم النظيفة مثل الأسماك الصغيرة واللوز والخضروات الورقية ومنتجات الألبان عالية الجودة إلى الفوسفور المتوازن الموجود في البروتينات الكاملة كالبقوليات واللحوم الخالية من المواد الحافظة، جزءاً من الحفاظ على فعالية النظام كلّه.

 

عندما يهبط فيتامين د، ينهار كنظام يضعف الأداء المناعي، تتغيّر حساسية الإنسولين، يتباطأ نمو العضلات، وتزداد الاضطرابات الالتهابية. هذا الانهيار لا يحدث فقط بسبب نقص التعرّض للشمس، بل بسبب نظام غذائي لا يمدّ الجسم بما يحتاجه لتحويل فيتامين د إلى هرمون فعّال.

 

لذلك، لم يَعُد الحديث عن فيتامين د من زاوية «المُكمِّلات» كافياً. إنّما يجب النظر إليه كجزء من منظومة غذائية هرمونية متكاملة، تعتمد على جودة الدهون، كفاية البروتين، توفّر المغنيسيوم والزنك، صحة الكبد والكلى، والسيطرة على الالتهاب والأكسدة.

الأكثر قراءة